لبيئة تحذر.. والري تهون.. والخـارجية تتجاهل.. والخطر قادم لا محالة!!
د.مصطفي طلبة ورشدي سعيد: البحيرة والعريش والإسكندرية وبورسعيد والساحل الغربي الأكثر تعرضا للغرق
توقعات بتهجير6 ملايين شخص من مساكنهم بالدلتا.. وتبوير1.6 مليون فدان
د.القصاص يقترح إنشاء قنطرة بمشاركة دول البحر المتوسط لمواجهة خطر ذوبان الجليد
فيما بين تأكيد ونفي.. واستجابة وتجاهل.. وتهويل وتهوين.. يعيش ملايين البشر حالة من القلق والحظر الشديدين بسبب التأثيرات المستقبلية للتغيرات المناخية التي ينجم عنها غرق المناطق الساحلية للبحر المتوسط ومنها دلتا النيل.
وازاء هذا ـ الاختلاف ـ ارتفت الاصوات محليا واقليميا ودوليا تنادي باتخاذ الإجراءات والتدابير لمواجهة المستقبل الغامض الذي يحمل بين طياته شبح التهجير للملايين من سكان الدلتا العامرة والمصتقرة عبر مئات السنين.
ولعل أهم ما يلفت النظر في الوقت الراهن ان التحذيرات انتقلت من الأماكن الخلفية ذات الاصوات الواهنة الضعيفة إلي الامامية ذات الاصوات العالية المسموعة, فقد أعلن المهندس ماجد جورج وزير الدولة للشئون البيئية أن التغييرات المناخية وفي مقدمتها الاحتباس الحراري الذي سينتج عنه ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض من5 ـ6 درجات خلال هذا القرن وارتفاع مستوي سطح البحر حتي متر ونصف المتر, وستكون دلتا النيل أكثر عرضة لهذه التأثيرات عام2020, وان نحو15% من أراضي الدلتا مهددة بارتفاع هذا المنسوب وتسربها إلي المياه الجوفية.
وجاء هذا الرأي الرسمي بعد تحذيرات عديدة من كبار خبراء البيئة والجيولوجيا, وفي مقدمتهم الخبير المصري العالمي د.مصطفي طلبة المدير السابق لبرنامج الأمم المتحدة الذي حذر من احتمالات غرق15% من اراضي شمال الدلتا بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار3 درجات خلال الـ50 عاما المقبلة, وتهجير أكثر من3 ملايين مواطن من اراضيهم.
وطالب بضرورة تكوين لجنة علمية في أسرع وقت لدراسة الموقف, وإعداد الدراسات الجادة لمواجهة المخاطر المرتقبة.
ذوبان الجليد
وقال الدكتور مصطفي طلبة عندما ترتفع درجة حرارة الأرض3 درجات تتمدد المياه في المحيطات ويرتفع مستوي سطح البحر بما يتراوح بين25 و90 سنتيمترا علي مستوي العالم.
ولو حدث هذا فإن محافظة البحيرة كلها ستغرق وبعض اجزاء من العريش والإسكندرية وبورسعيد والساحل الغربي للبحر المتوسط, ومع ازدياد ارتفاع البحر ستزداد سرعة الرياح وقوة الأمواج.
وحول حجم المسئولية التي تقع علي مصر جراء هذا التدهور البيئي قال الدكتور مصطفي طلبة إن الولايات المتحدة تنتج نحو23% من هذه الغازات, ومصر تنتج أقل من0.5% والدول الصناعية الكبري مسئولة عن70% من هذه الغازات, وبالتالي نحن لا ناقة لنا ولا جمل في هذه المشكلة, لكن المحزن أن المخاطر ستصيبنا كما ستصيب هذه الدول الكبري والمحزن أكثر أنها ستصيبنا بأضرار أكبر وأن تكلفة مواجهة هذه الأخطار مرتفعة.
وقال: إن القاهرة قد شهدت اطلاق تقرير توقعات البيئة العالمية الرابع الذي أعده390 خبيرا, وراجعه أكثر من ألف خبير بيئي في مختلف انحاء العالم برعاية برنامج الأمم المتحدة للبيئة, وشارك في اطلاقه من القاهرة مركز البيئة والتنمية للاقليم العربي وأوروبا وجامعة الدول العربية ممثلة في مجلس وزراء شئون البيئة, حيث أكد التقرير أن تغير المناخ يمثل تحديا علاميا كبيرا وستكون له تأثيرات كبيرة وطويلة الأجل علي رفاهية البشر والتنمية.
وأشار بشأن ظاهرة الاحتباس العالمي للحرارة إلي أن الفترة منذ عام1995 حتي عام2006 كانت ضمن أكثر السنوات حرارة علي الأرض منذ عام1850.
وأوضح التقرير أن دلائل هذا الاحتباس الحراري تتمثل في انكماش عدد من جبال الجليد وذوبان الأراضي دائمة التجمد والتحطم المبكر لجليد الأنهار والبحيرات, وإطالة فصول النمو في خطوط العرض التي تمتد من المتوسطة للمرتفعة وتغيير تيارات المحيطات وزيادة توتر وبشدة موجات الحرارة والعواصف والفيضانات والجفاف في بعض المناطق.
ويتوقع التقرير أن يؤثر التغيير في توافر المياه والأمن الغذائي بصورة درامية علي الملايين من الناس, إذ يهدد ارتفاع مستوي سطح البحر السكان والمراكز الاقتصادية الرئيسية علي حد سواء في المناطق الساحلية بل يهدد وجود دول الجزر الصغيرة نفسها.
مناطق الغرق
وأشار تقرير دولي لمنظمة الأمم المتحدة إلي أن الدول الأكثر تضررا في شرق آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي فيتنام, ومصر, وموريتنانيا, وجوانا, وجوانا الفرنسية, وتونس, والإمارات, وجزر البهاما, وبنجلاديش, وسيرلانكا, والأخيرتان من أكثر الدول تضررا في جنوب آسيا.
وقدرت دراسة حديثة لفريق بحثي دولي برئاسة ساسمينا داسجوبنا بتضرر84 دولة من ظاهرة الفيضانات التي تتسبب في تهجير10.5% من سكان مصر وفيتنام عن أراضيهم علي وجه الخصوص!!
التأثير علي قناة السويس
فيما أعلن د.رشدي سعيد عالم الجيولوجيا أن الخطورة تكمن في امدادات المياه في نهر النيل واغراق مساحات كبيرة من الارض الزراعية لافتا إلي ان التغييرات المناخية لن تؤثر علي حركة الملاحة في قناة السويس وعلي وضعية سطح المياه في المجري الملاحي, حيث إن المصريين الذين حفروا القناة وضعوا الاتربة علي جانبي القناة وهو ما يجعلها تستوعب أي زيادة في مناسيب المياه في المجري الملاحي.
ويتفق معه في هذا الرأي المهندس الاستشاري المعروف الدكتور ممدوح حمزة موضحا أن الردم الناتج عن حفر قناة السويس أدي إلي ارتفاع الأراضي وحماية قناة السويس من الغرق في المستقبل.
وتوقع حمزة غرق أجزاء من مدن رمانة وبورفؤاد والقنطرة والمطرية والمنزلة ودمياط وفارسكور وبلطيم والخلالة والحامول وسيدي سالم وادفينا ورشيد ودمنهور وكفر الدوار وأبوقير وأبوالمطامير.
الرأي المخالف
فيما نفي الدكتور حسن عامر مستشار وزير الموارد المائية والري فقدان النيل لـ80% من تدفقه ـ وفقا لما أوردته وزيرة خارجية بريطانيا مارجريت بيكيت بشأن التغيرات المناخية وتأثيراتها المحتملة علي مصر ـ موضحا ان الدراسات التي قامت بها أجهزة الوزارة تتوقع انخفاض موارد النهر بنسبة تتراوح بين10 ـ20% في أسوأ الحالات والاحتمالات.
وقال إن المناطق الاستوائية والهضبة الأثيوبية يسقط عليها1600 مليار متر مكعب, ولا يستغل منها سوي8%, مؤكدا استعداد الدولة لجميع السيناريوهات المحتملة حتي عام2050.
وأضاف عامر أن النماذج الرياضية التي اعتمدت عليها وزيرة الخارجية البريطانية لا تعطي نتائج مؤكدة بنسبة100%, ولكن تعطي احتمالات قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة, مشيرا إلي تنفيذ خطة للاستفادة من موارد مصر المائية وترشيد الاستخدامات بما يوفر5 مليارات متر مكعب يوميا.
ويقول الدكتور ضياء الدين القوصي مستشار وزير الري ورئيس مصلحة الري الأسبق إن وزارة الري تبحث هذه القضية منذ التسعينيات, ولكن في الفترة الأخيرة زادت الدراسات والأبحاث, لافتا إلي وجود برامج ونماذج لدراسة حجم التأثيرات المتوقعة نتيجة ارتفاع سطح البحر علي جميع الشواطيء والسواحل المصرية.
وأضاف أن الزيادة أو النقطة في ذوبان الجليد لن يكون لها تأثيرها الكبير الذي يتم التحدث عنه علي أراضي الدلتا, وهناك العديد من السيناريوهات التي تنفذها وزارة الري في هذا الشأن.
المواجهة الحاسمة
ولكن ماذا عن المواجهة لهذا الخطر الزاحف؟!
الاجابة نبدأها من رأي الدكتور محمد عبدالفتاح القصاص عالم البيئة الشهير الذي يعتمد علي تنفيذ مشروع اقليمي متكامل لإنشاء قنطرة عند مدخل جبل طارق يتم بواسطتها التحكم في كمية المياه المراد إدخالها إلي المتوسط تحول دون غرق المناطق الساحلية.
ويأتي هذا المشروع في ضوء الدراسة التي طرحها المهندس الألماني هيرميل سورجيل عام1927 من خلال مشروع متكامل يسمي: حوض البحر المتوسط ومفاده انشاء هذه القنطرة.
وقدم الدكتور القصاص مقترحه هذا إلي وزارة الخارجية المصرية باعتبار انه مشروع اقليمي دولي سيتطلب تنسيقا دبلوماسيا وسياسيا وعندما لم يأتيه رد من الخارجية قام بارساله إلي الرئيس الفرنسي ساركوزي, وقام بالرد عليه بعد اسبوع واحد, وأكد قيمة المقترح المصري ودراسته بفرنسا من خلال الجهات المعنية لإمكان تطبيقه.
وأوضح د. عبدالفتاح القصاص: ان ارتفاع مياه المتوسط بسبب ذوبان ثلوج القطبين في النصف الثاني من القرن الحالي سوف يؤدي إلي تهجير3.8 مليون مواطن يطلق عليهم لاجئو المناخ بالإضافة إلي غرق180 كيلو مترا من الأراضي الزراعية بدلتا النيل, مطالبا بمشاركة30 دولة متوسطية في تنفيذ مقترحه.
كما أوضح ان ارتفاع درجة الحرارة سيؤدي إلي زيادة الطلب علي مياه الري ومعدلات التبخر, بجانب محدودية توافر المياه نظرا لانخفاض معدلات هطول الأمطار بالحبشة مما سيؤدي إلي ضغوط متزايدة علي السكان واختفاء بعض المحاصيل وتأثر الشعاب المرجانية بالبحر الأحمر!!
واتصالا بالحلول المقترحة لمواجهة هذه الكارثة قال د. ممدوح حمزة إنه من الممكن أن يتم تنفيذ أحد مشروعين لمواجهة هذا الخطر المشروع الأول خاص بمصر وحدها والثاني يشمل الدول المطلة علي حوض البحر المتوسط, أخذا في الاعتبار مصر هي أكثر الدول المطلة علي المتوسط تعرضا للمخاطر بسبب عدم وجود دلتا أنهار مطلة علي المتوسط سوي في مصر.
وعن الحل الجماعي لدول المتوسط اقترح حمزة اشتراك تلك الدول في مشروع انشاء بوابة صناعية عائمة علي مضيق جبل طارق تقلل من كميات المياه الداخلة إلي البحر المتوسط, متوقعا أن يستغرق إنشاء تلك البوابة من10 ـ15 عاما وأن تتكلف عدة مليارات من الدولارات.
أما عن الحل الداخلي في مصر فقال إنه لا يمكن بناء حائط خرساني ليصد المياه عن الشواطيء المصرية وحذر من أن هذا الحائط سيصد فقط المياه السطحية لكن المياه المتسربة من أسفل ستتمكن من النفاذ وأيضا إلي دلتا النيل نتيجة طبيعتها التي تسمح بمرور الماء وفقا لنظرية الأواني المستطرقة. واقترح حمزة بدلا من ذلك انشاء شاطيء جديد علي الدلتا باستخدام التربة ورمال قاع البحر المغمورة أسفل مياه البحر المتوسط واعادة ضخها علي الشواطيء المصرية مما يزيد ارتفاعها لأعلي من مستوي البحر.
بالإضافة إلي ذلك يتم بناء حائط من مادة البنتونية أسفل التربة في الدلتا لمنع تسرب مياه البحر من أسفل أراضيها.
وقدرت تكلفة هذا الحل أيضا بعدة مليارات من الدولارات وقال من الممكن أن يتم فرض رسوم علي من يستمتع بالشواطيء المصرية لتكوين صندوق يمول المشروع التي سيتم تنفيذه.
وقال: إنه قام بتشكيل فريق من الخبراء لاعداد الخرائط المستقبلية التي تظهر آثار هذه الظاهرة علي مصر وخاصة المنطقة من رمانة إلي سيدي كرير في الساحل الشمالي.
وبعد عرض الأراء المتباينة.. والحلول المقترحة يبقي السؤال مطروحا.. هل تغرق الدلتا أم لا؟ وماذا نحن فاعلون ازاء هذه
الظاهرة الخطيرة؟!